في صفحات التاريخ التي تروي قصص الأبطال، تبقى أسماء الشهداء خالدة في ذاكرة الأوطان، مكتوبةً بدمائهم الطاهرة، لتحمل في طياتها أسمى معاني الفداء والتضحية. ومن بين هذه الأسماء، يسطع اسم الشهيد أحمد محمد جاسم محمد يعقوب الغانم، الشاب الذي لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، ولكنه حمل في قلبه حبًا وطنياً يفوق سنوات عمره، وإرادةً أقوى من كل الصعاب.
وُلد الشهيد أحمد في 14 نوفمبر 1976 في منطقة الخالدية بدولة الكويت. كان في بداية مرحلة دراسته الثانوية، حيث تميز بحيويته ونشاطه، وكان دائمًا محبًا للعمل التطوعي. لم يقتصر اهتمامه على تحصيله العلمي فحسب، بل كان له دور بارز في العمل الاجتماعي، حيث شارك في جمعية الخالدية التعاونية أثناء فترة الاحتلال الغاشم. ورغم سنه الصغيرة، كان يؤمن بأن خدمة الوطن هي واجب على الجميع، مهما كانت أعمارهم.
لم تكن شهادة أحمد مجرد حادثة عابرة، بل كانت نتيجة إيمان عميق وعشق صادق للوطن. فقد سعى لتحقيق ما كان يتمنى، فارتقى شهيدًا في اليوم الذي كان يطمح فيه إلى خدمة وطنه بكل ما أوتي من قوة. وكان مصير أحمد أن يُستشهد في نفس المكان الذي استشهد فيه جده، المرحوم أحمد محمد جاسم محمد يعقوب الغانم، قبل خمسين عامًا. بهذه الطريقة، تجسدت قصة البطولة في عائلة الغانم عبر الأجيال.
وفي يوم 27 فبراير 1991، وبينما كان الشهيد أحمد يقود دراجته النارية متوجهًا إلى ساحة العلم في شارع الخليج العربي، انفجر به لغم أرضي زرعه المعتدون، فارتقى إلى ربه شهيدًا في سبيل وطنه الغالي.
تقديرًا لتضحيته وشجاعته، قامت دولة الكويت في عام 1997 بتكريمه ومنحه وسام الدفاع الوطني، ليظل اسمه عالقًا في ذاكرة الأجيال القادمة كرمزٍ للتضحية والفداء. كان أحمد مثالًا حيًا على أن حب الوطن لا يُقاس بالعمر، وأن الشهادة في سبيله هي أعلى درجات الفخر والخلود.
رحم الله الشهيد أحمد محمد جاسم محمد يعقوب الغانم، وأسكنه فسيح جناته