في بحث علمي حديث أعده باحثون من جامعة هارفارد، وجامعة كامبريدج، ومؤسسات أكاديمية مرموقة أخرى حول العالم، وشاركت فيه هالة العيسى، الباحثة في قسم التغذية بكلية الصحة العامة بجامعة هارفارد وأستاذة مساعدة بكلية الصحة العامة في جامعة الكويت، بدعم من جمعية القلب الكويتية، كشف عن أن طريقة إعداد البطاطس لا البطاطس نفسها هي ما يحدد علاقتها بخطر السكري من النوع الثاني.
وقال العلماء الذين أجروا الدراسة إن الدراسات السابقة كانت قد أشارت إلى علاقة محتملة بين تناول البطاطس وخطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني، لكن الأدلة حينها كانت متباينة وغالبًا ما افتقرت إلى تفاصيل دقيقة حول طرق الطهي أو تأثير استبدال البطاطس بأطعمة أخرى.
وأضافوا أن هذه الدراسة تقدم رؤية أعمق وأكثر شمولاً من خلال تحليل أنواع مختلفة من البطاطس، وتتبع الأنماط الغذائية على مدى عقود، ودراسة أثر استبدال البطاطس بأطعمة أخرى، مما يحوّل النقاش من سؤال “هل البطاطس مفيدة أم ضارة؟” إلى سؤال أكثر دقة وفائدة: “كيف يتم إعدادها، وبماذا يمكن استبدالها؟”.
وكشفت الدراسة التي نُشرت في مجلة BMJ “British Medical Journal” —إحدى أفضل وأعلى المجلات العلمية تأثيرًا على مستوى العالم أن تناول البطاطس المقلية ثلاث مرات في الأسبوع يرتبط بزيادة خطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني بنسبة حوالي 20% مقارنة بتناولها أقل من مرة أسبوعيًا، بينما لم تُظهر البطاطس المسلوقة أو المخبوزة أو المهروسة أي زيادة واضحة في هذا الخطر.
وأوضحت أن الفرق لا يكمن في البطاطس نفسها، بل في طريقة إعدادها. فالخبز أو السلق أو التقشير مع إبقاء القشرة يوفر طريقة طهي صحية، بينما غالبًا ما تُحضّر البطاطس المقلية بدرجات حرارة عالية وبزيوت غير صحية وملح، مما يؤدي إلى تكوين مركبات ضارة. تُعد البطاطس، وبالأخص قشرتها، مصدرًا جيدًا للألياف، وفيتامينC، والبوتاسيوم، وفيتامينB6، وهي غذاء مغذٍ وغير مكلف نسبيًا.
وأظهرت الدراسة أن استبدال ثلاث حصص أسبوعيًا من البطاطس المقلية بالحبوب الكاملة مثل القمح الكامل، الشوفان، الأرز البني، أو الكينوا يؤدي إلى خفض خطورة الإصابة بالسكري بنسبة تصل إلى 19%، أما استبدال جميع أشكال البطاطس لا سيما غير المقلية منها بحبوب كاملة فقلّل الخطر بنسبة 4%.
في هذا السياق قالت د. هالة العيسى إن نتائجنا تؤكد أن البطاطس يمكن أن تكون جزءا من نظام غذائي صحي إذا أعدت بطرق صحيحة، مشيرة إلى أن البطاطس المقلية تحديدا تظل خيارا ينبغي الحد منه قدر الإمكان.
وأكدت أن الحد من استهلاك البطاطس، خاصة “المقلية”، واختيار مصادر صحية للكربوهيدرات مثل الحبوب الكاملة، ومنها القمح الكامل، والشوفان، والأرز البني يمكن أن يقلل من هذا الخطر على نطاق واسع بين أفراد المجتمع.
من جهته أضاف الباحث المشرف على الدراسة الأستاذ الدكتور والتر ويليت، أن النتائج تسلط الضوء أمام المعنيين بوضع السياسات الغذائية والصحية على ضرورة تجاوز التصنيفات الغذائية العامة، والتركيز على طريقة إعداد الأطعمة وما الذي تُستبدل به، لافتًا إلى أن ليست كل الكربوهيدرات ولا حتى كل البطاطس متساوية، وأن هذا التمييز جوهري عند صياغة إرشادات غذائية فعّالة.
الجدير بالذكر أنه تم تحليل بيانات أكثر من 205 آلاف مشارك على مدى ما يقرب من أربعة عقود، ركزت على التباين بين طرق التحضير المختلفة وتبعاتها الصحية، مما منح الدراسة أبعادًا إضافية مقارنة بالأبحاث السابقة التي لم تكن تفرّق بين هذه المتغيرات.
وجاء تمويل هذا البحث من جهات مرموقة متعددة، تشمل: المعاهد الوطنية للصحة الأمريكية “NIH”، منظمات خيرية مثل Friends of FACES / Kids Connect، المجلس الطبي البريطاني، المركز الوطني البريطاني لأبحاث الرعاية الصحية والتغذية، وجمعية القلب الكويتية التي تدعم لأول مرة هذا النوع من الأبحاث.
ويرى الباحثون أن هذا التعاون بين جمعية القلب الكويتية ومؤسسات بحثية عالمية مثل جامعة هارفارد يمكن أن يكون بالغ الفائدة في تعزيز الدراسات التي تركز على الترابط بين التغذية والأمراض المزمنة، ليس فقط على الصعيد المحلي في الكويت، بل على مستوى الصحة العامة عالميًا.
ويأمل القائمون على هذا المشروع أن تكون هذه الخطوة بداية لشراكات بحثية أوسع في المستقبل، تفتح الباب أمام مشروعات علمية رائدة في الكويت والمنطقة، وتساهم في وضع حلول عملية للوقاية من أمراض العصر وتحسين جودة الحياة.
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً.