بقلم: فاضل الطالب
في خضم مشاهد حرب طوفان الاقصى ومناظر الدمار الهائل في غزة وجنوب لبنان، كانت هناك حرب أخرى متزامنة معها ولا تقل شراسة عنها، استخدمت فيها كافة الوسائل الاعلامية وبالأخص وسائل التواصل الاجتماعي، واتخذت اسلوب اثارة النعرات القومية والاحقاد الطائفية كوسيلة سهلة لتفكيك الامة العربية وتمزيقها ومنع شعوبها حتى من الاستنكار والشجب أو مشاركة المواساة.
فقد لوحظ في الآونة الاخيرة حجم الاصطفاف الطائفي في وسائل التواصل بكل وضوح، فما أن يتلفظ أحد المؤثرين من خلال تغريدة بسيطة يستهجن ويستنكر عمل الاجرام الصهيوني، حتى يواجه بجيش ذبابي الكتروني ينتحل حسابات عربية وهمية أو بواسطة مؤثرين تغدق عليهم الاموال، لتصله الشتائم اولا من كل حدب وصوب، ثم يتم تحويل الامر الى سجال وهمي من تأليف هذا الذباب ويتطور الامر الى ملاسنات وملاعنات طائفية، يشارك فيها السذج من الجانبين ليتم تشتيت الانتباه الى جرائمهم المخزية. وللأسف نجح هذه الجيش الالكتروني الصهيوني من تحقيق ما خطط له.
ولكن كيف تمكن هذا العدو الارعن من تحقيق ذلك؟
انه من خلال الوحدة 8200 التي تعد من أقوى أذرع هيئة استخبارات الكيان الصهيوني، وتمتلك امكانيات هائلة تستطيع توفير كافة المعلومات اللازمة من خلال اختراقات وعمليات تجسس معتمدة على العمل السيبراني، تحيطها السرية بشكل كبير، ويمتد عملها كافة انحاء العالم.
وهي تعتبر ثاني أكبر جهاز تنصت وتجسس في العالم يستخدم التكنولوجيا الالكترونية بعد ربيبتها الولايات المتحدة. وتمتلك هذه الوحدة القدرة على التأثير في مختلف المجالات الحياتية عبر المشاركة في الحوار بواسطة موظفيها الذين يتم اختيارهم بعناية فائقة، بعد اجتيازهم عدة اختبارات ولمدة 3 سنوات في اللغات والبرمجة والتفكير الابداعي وسرعة البديهة، يمنع العرب من الدخول فيها، ويحضون بمنزلة عالية لأنها تعتبر وحدة النخبة في جهاز الاستخبارات.
وهؤلاء الذين يتم تعيينهم لمراقبة الاعلام العربي، لهم وعي وإدراك بالثقافة العربية والاسلامية، يتقنون اللغة وبعض اللهجات العربية للتمويه بانتمائهم لهذه القومية، ولهم القدرة أيضا على مراقبة المنصات العربية والسيطرة عليها بهدف تشخيص انماط العداء للكيان الصهيوني، ومن ثم العمل على تمرير رسائل دعائية بقصد التأثير على الوعي الجمعي من خلال صياغة مواد واخبار وصور ملفقة باحترافية، لزرع الفتنة بين ابناء الامة الواحدة والدين الواحد، وما نلاحظه الآن من تراشق مذهبي بين الطرفين وبين ابناء المذهب الواحد ايضا، الا نتيجة لعمل هذا الكيان الارعن، وقد نجح وللأسف فيما كان يخطط له.
ولا يتوانى هذا الجهاز من اغداق الاموال الطائلة لأي مؤثر من ابناء الجلدة السفهاء، من منصات وقنوات وافراد للمشاركة في هذه الحرب الاعلامية، بهدف الهجوم على المقاومة وشيطنتها واضعاف تمسك افراد الامة العربية والاسلامية بالقضية الفلسطينية والعمل على تمييعها، وليتهم يكتفون بذلك بل يتمادون الى تبرير الاجرام الصهيوني في غزة والجنوب اللبناني.
وبالطبع فإن هذا الجهاز لا يقتصر عمله داخل العالم العربي والاسلامي، بل يشمل العالم بأجمعه، وقد نجح في بدء حرب طوفان الاقصى الى تحويل الخطاب السياسي والاعلامي الغربي الى صالح هذا الكيان المغتصب جعلت من نفسها الضحية، وإنها تقوم بإبادة غزة دفاعا عن النفس على اساس ان الفلسطينيين هم المعتدون، وقد انطلت هذه الذرائع على معظم افراد هذه الشعوب بداية، متناسين الاحتلال والتوسع الصهيوني من خلال بناء المستوطنات واعمال التطهير العرقي القائمة منذ 1948 التي ما زالت مستمرة اليوم.
ان هذا الكيان خطط ولايزال لتفتيت الامة بزرع الفتن بين شعوبها، وان له اهدافا وغايات أكبر من ذلك، وان ما يرعبهم حقا هو الاتحاد بين ابناء الشعوب العربية والاسلامية لان ذلك يهدد كيانهم برمته، لذا فهم يقتاتون على الاحتراب الطائفي بين المسلمين. فلنكن على حذر من اعمال هذا الكيان الشيطاني، وادعو من له خبرة ودراية في الاعلام الالكتروني والعمل السيبراني الى كشف هؤلاء ومن تبعهم من السفهاء وفضحهم على رؤوس الاشهاد، ولنحافظ على تماسك وتآلف شعوبنا في مواجهة هذه الخطط الصهيونية.